تعداده ، وانما تفرق الناس عنه الى اعدائه لاقتصاره على حكم الشريعة ، وتقيده بالسنة ، وتركه العمل بالحيل الدنيوية وتدبير امر الدنيا ، واخذه في جميع اموره بما يقتضيه الشرع المحمدي ، ولذا قال (عليهالسلام) : (لو لا التقى لكنت ادهى العرب) (١) وغيره دبّر دنياه وترك آخرته فصار ممدوحا بالرأي عند الجهال ورغب اهل الطمع الى دنياه والناس عبيد الدنيا.
وأما انه اسوس الصحابة فذلك مما لا يحتاج الى بيان فانه ما حابى احدا قط ولا آثر قريبا على بعيد في حكم ، وشدته على العصاة معلومة من سيرته وحربه وكلينه لأهل الإيمان والطاعة.
وأما انه اعدل الصحابة في الرعية فلما علم من مساواته الناس في القسمة والعطاء لم يؤثر احدا من الناس على احد ، ولم يفضل قويا على ضعيف ولا شريفا على دنيّ ، ولا ذا رحم على اجنبي ، طلب إليه الزبير وطلحة ان يزيدهما في القسمة فلم يفعل وكان يومئذ بمكان رفيع عند الناس (٢) وطلب إليه ابن اخيه عبد الله بن جعفر وكان يجريه مجرى ولده ان يعطيه زيادة فلم يفعل ، وقال له : (لا زيادة لك عندي على سهمك الا ان تأمر عمك ان يسرق فيعطيك) (٣) أو كلاما ما هذا معناه وطلب منه اخوه عقيل مالا زيادة على نصيبه من بيت المال وألح عليه في ذلك فوعده بالصبر الى يوم الجمعة فلما خطب الناس يوم الجمعة التفت الى عقيل وقال : (ما تقول يا أبا يزيد فيمن خان هؤلاء جميعا في اموالهم) فقال عقيل : بئس الرجل ، فقال له : (فهذا انت تأمرني بذلك) (٤) فاسكته عن
__________________
(١) رواية ابن ابي الحديد ١ / ٢٨ : (لو لا الدين والتقي).
(٢) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣١.
(٣) الغارات للثقفي ص ٦٦ وشرح نهج البلاغة ٤ / ٩٢.
(٤) شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٢.