وإقامة الحدود واخذ القصاص وتجهيز الجيوش وسد الثغور ، وإذا لم يكن اقوى الأمة في ذلك قصر عما لا يقصر عنه غيره وذهب بقصوره جملة من مصالح نصبه ، ومن ذلك يجب ان يكون أسدّ النّاس رأيا وأحسنهم للامور تدبيرا فيما لا يخالف الشرع ، واصبرهم على احتمال المكاره وتحمل الشدائد في جنب الله ليكون القدوة للرعية في الصبر والاحتمال ، وقد اشار الى ذلك كله أمير المؤمنين (عليهالسلام) في خطبة له قال فيها (ايها الناس ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه واعلمهم بامر الله فيه) (١) وقال في اخرى : (ان اولى الناس بالانبياء أعلمهم بما جاءوا به) قال المعتزلي الرواية اعلمهم والصحيح اعملهم (٢) أقول ولا مناقشة معه في ذلك لأن الكلام على كلا الوجهين دال على قولنا باوضح دلالة وقال (عليهالسلام) : (ان العجلة والطيش لا تقوم بهما حجج الله وبيناته) الى غير ذلك من اقواله.
والثاني (٣) من وجوه
الاول العقل وبيانه ان تقديم المفضول على الافضل قبيح عقلا ، وتقديم المساوى ترجيح بدون مرجح ، وهو أيضا قبيح فانا نقطع بذم العقلاء رجلا اراد سلوك طريق لحاجته إليه وقد اخبره رجل ثقة عالم بتلك الطريق مجرب لها مطلع على أخبارها بأنّها طريق حزنة (٤) لا يمكن السلوك فيها الا بشدة المشقة فترك سلوكها وفوّت نفسه الحاجة ترجيحا لقول هذا الجاهل غير الثقة على
__________________
(١) نهج البلاغة من الخطبة ١٧٠.
(٢) شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٥٢ وانظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده ٤ / ٩٠.
(٣) أي الثاني وهو العام من وجهي الدليل على وجوب افضلية الامام فهو من وجوه الأول الخ.
(٤) الحزن ـ بفتح فسكون ـ : ما غلظ من الأرض ، يقال : في الطريق حزونة أي ضد السهولة.