(امرنا معاشر الأنبياء ان نكلم الناس على قدر عقولهم) (١) ومن المعلوم انّه ليس في وسع جميع الصّحابة معرفة جميع الاحكام الالهيّة ولا في قدرة كافتهم حمل كلها وحفظ عامّتها فوجب بمقتضى ذلك ان يخصّ بعضهم دون بعض بقدر ما يحتمله من العلم وقد روى عن عبد الله بن مسعود قال : «ما حدثت رجلا حديثا لا يبلغه عقله الّا كان له فتنة» ويروى مثله عن ابن عبّاس ، والعقل السّليم يحكم بصدق مضمونه ، وقد صحّ عن امير المؤمنين (عليهالسلام) انه قال : (ان امرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا عبد امتحن الله قلبه للايمان ولا يعي حديثنا الّا صدور أمينة واحلام رزينة) (٢) وكلّ ذا مرويّ عند مخالفينا في بعض كتبهم ويشير إليه من التنزيل قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٣) وما اشبهه ، وكلّ هذه الادلّة سالمة من القدح فيها يثبت المطلوب.
المقدّمة الثالثة
انّ الله سبحانه وتعالى اراد من العباد العمل في كلّ واقعة بما هو حكمها عنده لا بما ادى إليه نظرهم واجتهادهم ، يدل على ذلك آيات كثيرة من القرآن كقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤) وفي اخرى (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وفي ثالثة (فَأُولئِكَ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٨ / ١٨٦ ورواه الكليني في الكافي ١ / ١٨ في كتاب العقل والجهل ح ١٥ بهذا اللفظ : (إنا معاشر الأنبياء امرنا) الخ وابن شعبة في تحف العقول ص ٣٢.
(٢) بصائر الدرجات ص ٦ اصول الكافي ١ / ٤٠١.
(٣) البقرة : ٢٨٦.
(٤) المائدة : ٤٤.