المقدمة الثانية (١) :
ان النّبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يبيّن جميع الاحكام مفصّلة لكل الامّة بل بيّن لجميعهم بعضا تفصيلا وبعضا اجمالا وبيّن الكل لخلفائه مفصّلا وامر الامّة : بالاخذ عنهم والتعلم منهم والادلّة على هذه المقدّمة ظاهرة متكثرة.
الاول : انّ الامة قد اختلفوا في الاحكام اختلافا شديدا ولو بيّن النّبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لجميعهم كل الاحكام مفصلة لما اختلفوا امّا الاولى فمن المشاهدات ، وامّا الثّانية فلأن اختلافهم في الحكم بعد بيان الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) امّا لتعمدهم مخالفته وميلهم الى الهوى وترك النّص الى الرأي أو لنسيان الجميع بيان الرّسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وكل منهما غير جائز عند مخالفينا لانّهم لا يجوّزون على الصّحابة الخطأ ولا مخالفة نصّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بل يحكمون بانهم متّبعون له في افعاله واقواله وان اجماعهم حجّة فلا سبيل الى الحكم عليهم في اختلافهم بتعمد مخالفة بيان النّبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ولا نسيانه إذ ذاك يخرج اجماعهم عن الحجّية فلم يبق الا الحكم على ان اختلافهم لعدم البيان إليهم على التفصيل وهو المطلوب ، وامّا نحن فلا ننكر تعمد البعض لمخالفة الرّسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في بعض الاحكام وتركهم نصه (٢) وحصول الشّبهة لبعض آخر بذلك حتى يخرج النص في نظره عن النّصية فيحمله على أبعد محامل التأويل لكن نمنع ذلك عن الكل في جميع الاحكام لو كانت كلّها مبيّنة بالتفصيل لا عن البعض في البعض ولا من جهة
__________________
(١) أي من المقدمات الخمس على اثبات أن لكل قوم هاد.
(٢) يراجع في ذلك كتاب النص والاجتهاد للسيد شرف الدين.