يدون لأحد من الناس عشر العشر مما دون له من الكلام (١) واستشهد القوشجي على انه افصح الناس بكلامه المدون في نهج البلاغة وهو كما ذكر أوضح شاهد وأدل دليل ، وقال قال البلغاء ان كلامه تحت كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة ، وقال عدوه معاوية فيه حين قال له محفن بن ابي محفن : جئتك من عند أعيا الناس : ويحك كيف يكون أعيا الناس فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره (٢)؟
وأما أنه اسدّ الصحابة رأيا فلاحتياج جميعهم الى رأيه في معظم الأمور وبلوغهم المنى في اخذهم برأيه كما أشار على عمر في وقائع كثيرة وصل فيها الى مطلوبه اذ اخذ برأي علي (عليهالسلام) (٣) ، واشار الى عثمان ولو أطاعه لم يجر عليه بعض ما جرى ، ولم ينخدع قط ولم يتحير في امر قط ، وما عرض له أمر الا عرف مورده ومصدره ، وقال لأصحابه لما رفع اهل الشام المصاحف بصفين : (انما رفعوها خدعة فناجزوهم) فكان الأمر كما قال ، ولو اطاعوه لنجحوا ، ولما أراد اصحابه نصب أبي موسى حكما قال لهم : (اني اخاف عمروا ان يخدع يمنيكم هذا ولكن ادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن عباس) ولو اطاعوه لأفلحوا ولما تمكن عمرو مما أبرمه لكن عصوه فكان الأمر كما قال من خدع ابن العاص لأبي موسى وغير ذلك مما يطول
__________________
(١) يراجع في ذلك الجزء الأول من مصادر نهج البلاغة واسانيده تحت عنوان الكتب المؤلفة في كلام امير المؤمنين (عليهالسلام).
(٢) انظر شرح نهج البلاغة ١ / ٢٤ و ١ / ٢٢٩.
(٣) تجد تفصيل ذلك في شرح نهج البلاغة ج ١ من ص ٢٠٦ ـ ٢٦٤ فقد نقل ابن ابي الحديد هناك قصة التحكيم وظهور امر الخوارج عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري وكتاب صفين لابراهيم بن الحسين الكسائي المعروف بابن ديزيل ، وكتاب صفين لأبي الحسن علي بن محمد المدائني ، وانساب الأشراف لأبي جعفر احمد بن يحيى البلاذري وأمالي محمد بن القاسم الأنباري ، والموفقيات للزبير بن بكار ، والأمالي لأبي احمد الحسن بن عبد الله العسكري.