تسوغ لأحد من الناس معصيته ليكون ذلك حاسما للنزاع وقاطعا لطريق ذوي الأطماع ، وليس كذلك الا من هو منصوب من الله تعالى ، فنصب الامام لذلك يكون واجبا عليه فالدليل ان لم يكن لنا لم يكن علينا.
وأما ما ذهب إليه الخوارج وما قال به ابو بكر الأصم وما ذهب إليه الفوطي واتباعه (١) فهو مع كونه فاسدا بما دل من الأدلة على وجوب الامام مطلقا مبني على جعل تعيين الامام موكولا الى العباد وقد أقمنا البرهان على بطلانه وزيفنا أدلته وهدمنا رفيع بنيانه ، واذا بطل الأصل تبعه في البطلان فرعه لا سيما وحجة الخوارج موجبة لبطلان الاختيار حيث قالوا : «ان في نصب الامام اثارة للفتن لأن الآراء مختلفة والأهواء متباينة فيميل كل حزب الى احد فتهيج الفتن وتقوم الحروب وما هذا شأنه لا يجب بل كان ينبغي ان لا يجوز الا أن احتمال الاتفاق على الواحد أو تعينه وتقرره باستجماع الشرائط وترجيحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز» وأنت خبير بأن ما احتملوه غير حاصل ولا حصل فيما مضى فلم يبق الا أن يكون نصب الامام محرما وهو فاسد باتفاق المسلمين وواجبا على الله دون الرعية لازالة الخوف مما ذكروه من هيجان الفتن وقيام الحروب وهو المطلوب وحجة أبي بكر الأصم مبنية أيضا على أن مصلحة نصب الامام مقصورة على ازالة الخوف وتأمين سبل المسلمين وليس بصحيح فان للامام مصالح كثيرة غير ذلك قد مر ذكرها وسيأتي وحجة الفوطي منقوضة بأن من جملة المصالح التي لأجلها نصب الامام ازالة البدع واذهاب الفتن وإماطة الاختلاف وردع اهل المعاصي عنها فلا يكون وجودها مانعا من وجوب نصبه والأمر في ذلك ظاهر.
(فائدة جليلة)
هي فرع ما اصلناه ونتيجة ما أبرمناه ، اعلم أرشدنا الله واياك الى الحق
__________________
(١) مرت آراء الخوارج والأصم والفوطي في أول المبحث الثاني.