واقامة الحدود بمقتضى مرادهم ، وجباية الأموال وايثار من ميله إليهم يقوى امره ويشدده بها ، والقلوب على ما انطوت عليه من اراده الدنيا ، وطلب العاجلة ، وعدم الالتفات الى العقبى وثواب الآجلة ، فانتشر صيت الاسلام وكثر الداخلون فيه ، ورغبوا في التدين به ، وضرب بجرانه وشدت قواعد اركانه ، ولو لا ذلك كله لأعفوا رسومه وطمسوا معالمه ، وكان ذلك لانجاز ما وعد الله رسوله ان يظهر دينه ويفلج حجته وتصديق ما قاله النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كما رواه الخصم وغيره (ان الله يؤيد هذا الدين باقوام لا خلاق لهم في الآخرة) أو قال : (عند الله يوم القيامة) وفي رواية (بالرجل الفاجر) (١) ومع ذلك فقد غيروا من احكام الشريعة ما قدروا على تغييره وفعلوا ما اوجبه اختلاف الأمة الى آخر الدهر وهو ازاحتهم وصى الرسول عن مقعده وبالله المستعان.
فان قال قائل : فلم لم يضرب النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) اعناقهم لما ردوا عليه حكمه وقوله لأن رد قول النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كفر ، واذا لم يكن ذلك صادر الزم اما انهم لم يخالفوه أو أن مخالفته بالرأي جائزة اذ لا مانع له في سلطانه من قتل من خالفه.
قلنا : هذه الشبهة هي التي جرأت القوم على خلاف النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في حياته ، وجسرتهم على رد نصوصه ، حتى انه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) امر في حجة الوداع من لم يسق هديا بالاحلال وان يجعلها عمرة يتمتع بها الى الحج وحث على ذلك غاية الحث وقال : (لو استقبلت من امري ما استبدرت ما سقت هديا) فعصاه كثير منهم ولم يحلوا وقالوا
__________________
(١) يعني بالخصم ابن أبي الحديد وقد روى هذه الرواية في شرح نهج البلاغة ٢ / ٣٠٩ هكذا :
(ان الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) وهي مروية في صحيح البخاري ٥ / ٧٥.