قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) (١) الآية وقوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢) فقد روى صحيحا انها نزلت في رجل من الصحابة لأمر جرى بينه وبين عمار بن ياسر في بناء مسجد النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهي قصة معروفة (٣) الى غير واحدة من الآيات الواضحات في هذا المعنى ، وهذا ينادي بانهم لو لا ما رأوا في الاسلام من العزة والسلطان وانقياد الناس لهم واتساق الأمور لرفضوه ، واتبعوا دين آبائهم وطريقة اسلافهم ، لكنهم رأوا في اظهار هذه الدعوة والتمسك بهذه الملة عظيم الملك والمنعة وشديد القوة والغلبة ، ومسارعة الناس لهم بالطاعة ، وانفاذ الأوامر والنواهي ، وانضم الى ذلك انفتاح ممالك القياصرة والأكاسرة والفراعنة والأتراك وغيرهم عليهم وتملكهم تلك الممالك العظام ، فنالوا بذلك من الرفعة والرئاسة ما لم ينله ملك قاهر ، ولم يدركه سلطان ظاهر ، وعلموا ان في رفضهم هذا الدين ورجوعهم الى دين آبائهم الماضين زوال هذه الرئاسة الجليلة ، وفوات هذه المنزلة النبيلة ، وصيرورتهم اذلاء اذنابا تابعين غير متبوعين ، كما كانوا عليه في زمان الجاهلية ، فلذا داموا على اظهار الدعوة وتمسكوا ظاهرا بعرى الملة ، وواظبوا على الاتيان من وظائف الاسلام بما يزيد الناس فيهم وثوقا ولا يخالف لهم مما ارادوه غرضا كالصلاة والصيام والحج وترك المستلذات من المأكل والمشارب والملابس كما قيل :
لئن صبرت عن لذة العيش انفس |
|
فما صبرت عن لذة النهي والأمر |
وحثوا منها على ما يشدد لهم الأبهة ويقرر لهم قاعدة الامارة كالجهاد
__________________
(١) النور ٦٣.
(٢) الحجرات : ١٧.
(٣) انظر سفينة البحار ٢ / ٢٧٥ مادة (ع م ر).