اذا تأمله الفطن الأريب وجده خارجا من مكنون بغض عظيم ، وبارزا من مخزون حقد جسيم ، وعلم انه ناش من لهب نار حسد قديم ، ومتولد من أصل وجد مقيم فكان الأمر كما قال ابو تمام حبيب بن اوس الطائي.
واذا اراد الله نشر فضيلة |
|
يوما اتاح لها لسان حسود (١) |
وقد صح من هذه الجملة ان القوم ما كانوا يتقيدون بنصوص النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيما يخالف اغراضهم ، ولا يعتنون بها فيما يضاد مطالبهم ، ولا يقدمون من قدمه ويؤخرون من آخره ولا يفضلون من فضله ، ويسودون من سوده ، بل يقدمون من احبوا تقديمه ويفضلون من شاءوا تفضيله ، ويؤخرون من احبوا تأخيره ويذمون من مدحه الله ورسوله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، كل ذلك برأي منهم ، وميل من نفوسهم ، لا بدليل شرعي ، ولا بحكم إلهي والسبب في ذلك انهم كانوا يؤثرون اتباع اهوائهم على أوامر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ونواهيه ، ويقدمون طاعة شهواتهم على طاعته وترك معاصيه ، ويجعلون قضاء اوطارهم اولى من استماع دعوته واجابة مناديه ، خصوصا في عترته وذوي قرابته ومواليه ، فاندفع الايراد ، وثبت المراد ، وهذا كله يرشد المتأمل الى الحكم بصحة ما قيل : إن في القوم من لم يدخلوا في دين النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) دخول ايمان ويقين ، ولم يتبعوه لطلب مرضاة الله ، وانما كان ذلك لأغراض دنيوية ، ومقاصد نفسية ، ولذا تراهم لا يلتفتون من اقواله الى ما لا يوافق آراءهم ، ولا يطابق مشتهاهم ، بل يجعلون أمره كأمر واحد منهم فيرتكبون خلافه بغير تجرح ولا تأثم ، وقد افصح بذلك القرآن الكريم والفرقان العظيم حيث يقول تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً
__________________
(١) ديوانه ١ / ٤٢.