قول ذلك العالم الثقة المجرب ، ونجزم بتوجه العقل الى تجهيله في ذلك ولومه وعذله على ترجيحه خبر ذلك الجاهل على خبر ذلك المطلع الثقة وتفويته حاجته لذلك ، وهذا أمر وجداني لا شك فيه ، وما ذاك الّا لما ارتكز في العقول السليمة من قبح تقديم المفضول على الافضل ولزوم العكس ، وأيضا انّ المقطوع به من سيرة الناس في الاعصار والامصار من المسلمين والكفار استقباح تقديم اهل الغباوة والحمق في جميع الامور التي لها شأن وخطر على ذوي الفطنة والذكاء ، وتقديم المتهورين على ذوي الآراء السديدة في المشورة وإجالة الرأي في عقد او حل ، وتقديم من ليس كاملا ومتقنا في الصناعات والحرف على أولى الكمال والاتقان فيها ، وما ذاك إلا لاستقباح العقول تأخير الأفضل وتقديم المفضول ، فيثبت ذلك في الشرع اذ لا تخالف بين العقل والشرع في المعلومات والمعتزلة يسلمون ذلك فيثبت المطلوب.
الثاني النقل من الكتاب والسنة فمن الكتاب قوله تعالى (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) فأوجب الكون مع الصادق ، ولا يتم الا بترك الكون مع غير الصادق مع فرض اختلافهما فتكون الآية نصا في وجوب تقديم الأفضل على المفضول ، وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢) وهذه الآية صريحة في ان الهادي الى الحق بعلمه احق بالاتباع ممن يحتاج في الاهتداء الى من يهديه والأحق بالشيء من ليس لغيره فيه حق معه فالآية ناصة كالأولى على وجوب اتباع الافضل وترك المفضول ، وحاثة على ذلك بأشدّ ما يكون من الحث ، ومهددة على المخالفة كما هو صريح قوله تعالى (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فثبت من صريحها وجوب تقديم الأفضل على المفضول على ان ابن ابي الحديد قد
__________________
(١) التوبة : ١١٩.
(٢) يونس : ٣٥.