الثالث : ان الكلام الذي ذكره من قول أبي بكر وجواب الصحابة له على الوجه المذكور مما لا اصل له ولا ورد في شيء من اخبارهم على هذا النهج (١) بل اخبارهم ناطقة بان بيعة ابي بكر لم تكن عن مشاورة ومناظرة وانما كانت مغالبة ووقعت فلتة واجماع الناس على ذلك وما تقدم من الأخبار شاهد به ويكفيك من ذلك قول عمر على صهوة المنبر : ان بيعة ابي بكر فلتة (٢) وغيرها من الأخبار روى الجوهري في خبر سعيد بن كثير قال : لما قبض النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، ثم ذكر كلام سعد وما ردوا عليه من الإجابة الى توليته وما ترادوه بينهم من الكلام ـ الى ان قال ـ : فأتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فوجد أبا بكر في الدار وعليا في جهاز رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وكان الذي أتاه معن بن عدي (٣) فاخذ بيد عمر وقال : قم فقال عمر أني عنك مشغول فقال انه لا بد من قيام فقام معه فقال له : ان هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله انت المرجّي ونجلك المرجى وثم اناس من اشرافهم وقد خشيت الفتنة فانظر يا عمر ما ذا ترى واذكر لإخوتك واحتالوا لأنفسكم فأتى انظر الى باب فتنة قد فتح الساعة الا أن يغلقه الله ، ففزع عمر اشد الفزع حتى اتى أبا بكر
__________________
(١) أي على الوجه الذي سماه القوشجي عمدة الاجماع.
(٢) قول عمر (رضي الله عنه) : «كانت بيعة أبي بكر فلتة» رواه البخاري في صحيحه ٨ / ٢٥ في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت وابن هشام في السيرة ٤ / ٢٢٦ والطبري في التاريخ ٣ / ٢٠٠ وابن الأثير في النهاية مادة «فلت» والمحب في الرياض النضرة ١ / ١٦١ وابن حجر في الصواعق المحرقة ص ٥ و ٦ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٣ و ٢٦ عن تاريخ الطبري.
(٣) معن بن عدي البلوي حليف الأنصار صحابي شهد المشاهد كلها وقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر (اسد الغابة ٥ / ٤٠١).