قال ابن ابي الحديد بعد سرد كلام النقيب جميعه : ان النقيب لم يكن امامي المذهب ، ولا كان يبرأ من السلف ، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة ، ولكنه كلام اجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه انتهى (١).
قلت : واكثره وان كان على قواعد القوم منطبقا وانه كلام من يحملهم على الخير لكنه كاف في دفع الاستبعاد واف بالمراد ، والا فالوجه في مثل هذا ما قدمناه من ان القوم كانوا يخالفون النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيما يحصل لهم فيه غرض دنيوي ، لأنهم طلبوا الدنيا دون محض الدين واقامتهم على دعوة الاسلام انما هي لحصول الغرض الأعظم هي الرئاسة الكبرى فما كان يخرجهم في ظاهر الحال عند عامة المسلمين من الاسلام كترك الصلاة ، وتغيير القبلة ، واشباه ذلك لا يردون نص الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عليه حفظا لأنفسهم من ان ينسبوا الى الردة فترضخ رءوسهم بالجندل ، او يرجعوا اذنابا ويملكهم غيرهم ، ان وافقهم الناس على تغيير الشريعة ، وما لم يكن بهذه المنزلة من الأمور الدينية والدنيوية فكثيرا ما غيروه وبدلوه وادخلوا فيه ما ليس منه كالوضوء وما ادخلوا فيه من غسل الرجلين والمسح على الخفين وغير ذلك ، وكما اسقطوا من الأذان ما اسقطوا وزادوا فيه ما زادوا او كتحريم المتعتين وتجويز صوم شهر رمضان للمسافر وغير ذلك من الأحكام التي غيروها في ابواب العبادات والمعاملات والمواريث والسياسات مما يطول بذكره الكلام ، ومن نظر كتب الفقه والحديث اطلع على ذلك ، ثم ان الأولين كانا بمكان مكين من البصيرة في الأمور الدنيوية فلازما مع ذلك كله ما يصلحهما عند العامة ، وواظبا على ما يوجب لهما صرف قلوب الخاصة ، فظلفا انفسهما عن الملاذ الظاهرية ، وعن الرغبة في المال وسلكا مسلك الزهد
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٩ ولا يخفى ان ما نقله المؤلف من كلام النقيب هنا هو زبدة كلام النقيب كما اشار الى ذلك.