وإذا كان هذا الوجه قائما بعينه فيما ليس بمتجانس كان وجه الدلالة قائما ، ولهذه العلة لا يفرق بين أن يبتنى مسألة حظر على مسألة إباحة أو إباحة على حظر ، أو يبتنى نفيا على إثبات أو إثباتا على نفي ، أو إيجابا على إباحة أو إباحة على إيجاب ، بعد أن يكون طريقة الإجماع التي ذكرناها وأوضحناها في ذلك متأتية ، وانما ينظر من مثل هذا من لا ينعم (١) التأمل ويفطن بالعلل والمعاني.
فإن قيل : لم يبق عليكم الا أن تدلوا على صحة الطريقة التي ذكرتموها في اعتبار الإجماع ، ففي ذلك خلاف ، فبينوا أنه يجري مجرى أن يجمعوا على حكم واحد في أنه لا يجوز مخالفته.
قلنا : لا شبهة في صحة هذه الطريقة على أحد من أهل العلم بأصول الفقه ، وأن مخالفة ما ذكرناه يجري مجرى مخالفة ما أجمعوا فيه على حكم واحد في مسألة واحدة.
ألا ترى أنهم قد بدعوا ابن سيرين والثوري لما خالف الإجماع ، وان كان في مسألتين وفي حكمين ، وأجروه مجرى الخلاف في مسألة واحدة وحكم واحد.
وما اشتباه ذلك من بعده عن الصواب الا كاشتباه الحال على من جوز إذا اختلف الأمة على أفاويل محصورة ، أن يقول قائل بزائد عليها ، ما (٢) يدعى أن ذلك لا يجري مجرى إجماعهم على قول واحد ، فهو يد (٣) زائد أو يختلفوا على أقاويل ثلاثة ، فيقول قائل بمذهب رابع ، لأن في كلتي المسألتين قد خولف الإجماع وقيل بما اتفقوا على خلافه ، ومثل ذلك لا يشتبه على ذوي النقد والتحصيل.
__________________
(١) ظ : يمعن.
(٢) ظ : لما.
(٣) ظ : يدعى زائدا.