فكذلك إذا كان فيها توصل إلى إقامة حق ودفع باطل يخرج عن وجه القبح.
ولا يشبه ذلك ما يعترض في الكذب مما لا يخرجه عن كونه قبيحا ، لأنا قد علمنا بالعقل وجه قبح الكذب ، وأنه مجرد كونه كذبا ، لان هذه جهة عقلية يمكن أن يكون العقل طريقا إليها.
وليس كذلك الولاية من قبل الظالم ، لان وجه قبح ذلك في الموضع الذي يقبح فيه شرع (١) ، فيجب أن يثبته (٢) قبيحا في الموضع الذي جعله الشرع كذلك.
وإذا كان الشرع قد أباح التولي من قبل الظالم مع الإكراه ، وفي الموضع الذي فرضنا أنه متوصل به الى إقامة الحقوق والواجبات ، علمنا أنه لم يكن وجه القبح في هذه الولاية مجرد كونها ولاية من جهة ظالم ، وقد علمنا أن إظهار كلمة الكفر لما كانت تحسن مع الإكراه ، فليس وجه قبحها مجرد النطق بها وإظهارها بل بشرط الإيثار.
وقد نطق القرآن بأن يوسف عليهالسلام تولى من قبل العزيز وهو ظالم ، ورغب إليه في هذه الولاية ، حتى زكى نفسه فقال (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(٣) ، ولا وجه لحسن ذلك الا ما ذكرناه من تمكنه بالولاية من اقامة الحقوق التي كانت يجب عليه إقامتها.
وبعد : فليس التولي من جهة الفاسق أكثر من إظهار طلب الشيء من جهة لا يستحق منها وبسبب لا يوجبه.
وقد فعل ما له هذا المعنى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ،
__________________
(١) في المطبوع : شرعي.
(٢) في المطبوع : نثبته.
(٣) سورة يوسف : ٥٥.