أن من شأن الإدراك أن يتعلق بأخص أوصاف المدرك ، ومنها أن الجسم لو كان قديما لكان كونه كذلك من أخص أوصافه ، وغير ذلك مما قد بيناه.
وإذا نظر في شيء ، فيجب أن يكون شاكا في متناول الإدراك وسائر مقدمات الدليل وعلى (١) بالدليل الأول حدوث الأجسام لا يمنع من شكه في مقدمات الدليل الثاني. وانما يمنع على الوجه الصحيح أن يكون ناظرا في شيء وهو عالما (٢) به ، أن النظر لا يتعلق من المنظور فيه بوجه معين ، بل يتعلق بهل الصفة ثابتة أم منتفية ، فكأنه يمثل من الأمرين ، ويجب عن إدراكهما الثابت ، فلا بد من الشك مع ذلك ، لان العلم والقطع ينافيان وجه تعلق النظر.
فهذا هو المانع من نظر الناظر فيما يعلمه ، لا يذكر في الكتب من النظر في المشاهدات.
لان لقائل أن يقول : انما لا يصح أن ينظر في المشاهدات ، لانه دليل يفضي الى العلم بها ، ولو لا أن النظر في الدليل الثاني يحصل عنده علم بالمدلول عليه ، لوجب أن يكون من علم حدوث الأجسام بدليل إثبات الاعراض ، ثم نظر في الطريقة الأخرى المبنية على كيفية يتناول الإدراك متى عرض له شك في إثبات الاعراض ، أن يخرج من أن يكون عالما بحدوث الأجسام ، لان شكه في حدوث الأجسام يؤثر في علمه بحدوثها من هذا الطريق بدلالة أنه لو انفرد كونه ناظرا بهذا الدليل دون غيره حتى يشك في إثبات الأكوان أو حدوثها أو أن الجسم لا يخلو منها يخرج من أن يكون عالما بحدوث الأجسام.
وقد علمنا أنه إذا كان قد نظر في الطريقة الثانية ، ثم شك في إثبات الأكوان ، لا يخرج من أن يكون عالما بحدوث الأجسام ، فلو لا أن الطريقة الثانية قد
__________________
(١) ظ : والعلم بالدليل.
(٢) ظ : وهو عالم.