ولهذا جاءت الرواية الصحيحة بأنه يجوز لمن هذه حاله أن يقيم الحدود ويقطع السراق ، ويفعل كل ما اقتضت الشريعة فعله من هذه الأمور.
فإن قيل : أليس هو بهذه الولاية معظما (١) للظالم ومظهرا فرض طاعته ، وهذا وجه قبيح لا محالة ، كان غنيا عنه لو لا الولاية.
قلنا : الظالم إذا كان متغلبا على الدين ، فلا بد لمن هو في بلاده وعلى الظاهر من جملة رعيته ، من إظهار تعظيمه وتبجيله والانقياد له على وجه فرض الطاعة ، فهذا المتولي من قبله لو لم يكن متوليا لشيء ، لكان لا بد له من التغلب معه ، مع إظهار جميع ما ذكرناه من فنون التعظيم للتقية والخوف ، فليس يدخله الولاية في شيء من ذلك لم يكن يلزمه لو لم يكن واليا ، وبالولاية يتمكن من أمر بمعروف ونهي عن منكر ، فيجب أن يتوصل بها إلى ذلك.
فان قيل : أرأيتم لو غلب على ظنه أنه كما يتمكن بالولاية من أمر ببعض المعروف ونهي عن بعض المنكر ، فإنه يلزم لأجل هذه الولاية أفعالا وأمورا منكرة قبيحة لو لا هذه الولاية لم تلزمه لا يتمكن من الكف عنها.
قلنا : إذا كان لا يجد عن هذه الافعال محيصا ولا بد من أن يكون الولاية سببا لذلك، ولو لم يتوصل لم يلزمه أن يفعل هذه الأفعال القبيحة ، فان الولاية حينئذ تكون قبيحة ، ولا يجوز أن يدخل فيها مختارا.
فان قيل : أرأيتم ان أكره على قتل النفوس المحرمة ، كما أكره على الولاية ، أيجوز له قتل النفوس المحرمة.
قلنا : لا يجوز ذلك ، لان الإكراه لا حكم له في الدماء ، ولا يجوز أن يدفع عن نفسه المكروه بإيصال ألم الى غيره على وجه لا يحسن ولا يحل.
__________________
(١) في المطبوع : مقويا.