قلنا : [أما (١)] ما يرجع الى القلب من الشكر ، فهو يحصل في قلوبهم ضرورة ، لأنه يرجع الى الاعتقادات ، وما يرجع الى اللسان منه فلا كلفة فيه ، وربما كان مثله في اللذة (٢) لان أحدنا يلتذ ويسر بالتحدث بنعم الله عليه ، لا سيما إذا كان وصولها اليه بعد شدة ومدى طويل من الزمان.
وأما أفعال أهل الجنة فالصحيح إنها واقعة منهم على سبيل الاختيار وان كانوا ملجئين الى الامتناع من القبح ، بخلاف ما قاله أبو الهذيل (٣) فإنه كان يذهب الى أن أفعالهم ضرورية.
والذي يدل على صحة ما اخترناه أنه لا بد أن يكونوا مع كمال عقولهم ومعرفتهم بالأمور ممن يخطر القبيح بقلبه ويتصوره وهم قادرون عليه لا محالة ، ولا يجوز أن يخلي بينهم وبين فعله ، فلا يخلون من أن يمنعوا من فعل بأمر وتكليف أو بإلجاء على ما اخترناه ، أو بأن يضطروا الى خلافه على ما قاله أبو الهذيل. [ولا يجوز أن يكونوا مكلفين لما تقدم ذكره، ولا مضطرين على ما قاله أبو الهذيل (٤)] لان المضطر مستنغص (٥) اللذة غير خال من تنغيص وتكدير لكونه مضطرا ، ولان التصرف على اختياره فيما يتناول [ما يشتهيه (٦)] وينقله من حال
__________________
(١) الزيادة من أ.
(٢) في ب : في صلة اللذة.
(٣) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، كان من أئمة الاعتزال له مقالات في الاعتزال ومجالس ومناظرات ، وكف بصره في آخر عمره ، ولد في البصرة سنة ١٣٥ ه وتوفى بسامراء سنة ٢٣٥ ه (الاعلام للزركلى : ٧ / ٣٥٥).
(٤) الزيادة من أوخ.
(٥) في خ : مستنقص ، وكذا بعده : تنقيص.
(٦) الزيادة من أوخ.