والجسم لو كان قديما لوجب إدراكه على هذه الصفة ، لأنها من أخص أوصافه ، فإذا علم ضرورة أنه لا يدرك قديما ، فلا بد من العلم بحدوثه.
وهذه الطريقة مبنية على مقدمات :
منها : أن الجسم مدرك.
ومنها : أن من شأن الإدراك أن يتعلق بأخص أوصاف الذات المدركة.
ومنها : أن الجسم لو كان قديما لكان كونه بهذه الصفة من أخص أوصافه.
ومنها : أن (١) لا يدرك قديما.
فمتى علم بالتأمل صحة هذه المقدمات ، فلا بد أن يفعل لنفسه اعتقادا ، لان الجسم ليس بقديم ، وإذا لم يكن قديما وهو موجود ، فلا بد من كونه محدثا.
وانما قلنا انه مع صحة تلك المقدمات وعلمه بها لا بد أن يفعل اعتقادا لانه ليس بقديم. أن مجموع ما ذكرناه ملجئ له الى فعل هذا الاعتقاد ، كما أن من علم في ذات أنها لم يسبق ذواتا محدثة ملجأ إلى اعتقاد كونها [كذلك] ومن علم في فعل له صفة الظلم ملجأ بما استقر في عقله من قبح ماله هذه الصفة إلى فعل اعتقاد لقبحه ، ويكون ذلك الاعتقاد علما ، لوقوعه على الوجه الذي ذكرناه.
فان قيل : كيف ينظر في حدوث الجسم بالدليل الثاني وهو عالم بحدوثه بالدليل الأول، والعلم بالشيء يمنع من النظر فيه ، ولو جاز أن ينظر فيما علمه ، لجاز أن ينظر في المشاهدات.
قلنا : ليس نظره في الدليل الثاني على الحقيقة نظرا في صدور (٢) الجسم ، فيلزم أن يكون شاكا في حدوثه ، وانما ينظر في مقدمات الدليل الثاني التي منها
__________________
(١) ظ : أنه.
(٢) ظ : حدوث.