مع قولهم انا لا نفرق بين الدليل والشبهة إلا بعد توليد الدليل للعلم ، فكيف يعلم أنها لا يمكننا النظر فيها ولا يولد لنا علما أبدا.
فان قيل : انه إذ نظر غيرنا فيها اضطرنا إلى أنه علم بمدلولها ، فعلمنا أنها أدلة.
أمكن له [أن (١)] يقال : انه لا سبيل الى أن يعلم أحدنا عالما ، وان جاز أن يعلمه معتقدا ، وإذا لم يعلمه عالما فلا سبيل الى ما ذكروه.
الجواب :
اعلم أنه لا شبهة في القول بأن من علم شيئا من المعلومات بدليل نظر فيه أوجب له العلم ، لا يصح أن يعلمه بدليل آخر ، إذا اجتمع مع القول بأن وجه النظر في الأدلة المترادفة مع تقدم العلم بالمعلوم ، انما هو ليعلم أن ذلك المنظور فيه دليل مناقضته.
وقول بيننا (٢) في أن الدليل انما يعلم دليلا إذا حصل عنده العلم فكيف يجوز أن يعلم في الدليل الثاني إذا نظرنا فيه انه دليل وما حصل لنا عنده علم.
والذي يقوى في النفس أن يقال : ان من نظر في شيء يعلمه من طريق الدليل ، قد يجوز أن ينظر في دليل آخر يفضي الى العلم به ، ويكون عالما به من طريقين.
مثال ذلك : أن ينظر في طريق إثبات الاعراض ، ويستدل بها على حدوث الأجسام، فيعلم بهذه الطريقة أن الأجسام محدثة ، ثم ينظر في الطريقة الأخرى يعتمد فيها على أن من شأن الإدراك أن يتعلق في كل ذات مدركة بأخص أوصافها
__________________
(١) الزيادة منا.
(٢) ظ : وقد بينا.