الله تعالى أن الهدى بمعنى الدليل قد هداهم به ، فقال (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى)(١) يعني الدلالة والبيان.
فان قيل : فما معنى قوله (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)؟ (٢) قيل له : انما أراد به ليس عليك نجاتهم ، ما عليك الا البلاغ ولكن الله ينجي من يشاء.
فان قيل : فلم قلتم هذا؟ قيل له (٣) : لما أخبر الله تعالى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد هدى الكافر فقال (إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٤) وانما يريد انك تدل ، فلما كان قد دل المؤمن والكافر كان قد هدى الكافر والمؤمن ، فعلمنا انه أراد بهذه الآية هدى الثواب والنجاة ، فقس على ما ذكرناه جميع ما يسأل عنه من أمثال هذه الآية.
«باب»
(الكلام في الإرادة وحقيقتها)
فان سأل سائل فقال : أتقولون ان الله تعالى أراد الإيمان من جميع الخلق المأمورين والمنهيين أو أراد ذلك من بعضهم دون بعض؟ قيل له : بل أراد ذلك من جميع الخلق ارادة بلوى واختبار ، ولم يرد ارادة إجبار واضطرار ، وقد قال الله تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)(٥) وقال (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٦) فأراد
__________________
(١) سورة النجم : ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢٧٢.
(٣) في مط : قيل لهم.
(٤) سورة الشورى : ٥٢.
(٥) سورة النساء : ١٣٥.
(٦) سورة البقرة : ٦٥.