أن يجعلهم هو قردة ، ارادة إجبار واضطرار فكانوا كلهم كذلك ، وأراد أن يقوموا بالقسط ارادة بلوى واختبار ، فلو أراد أن يكونوا قوامين بالقسط (١) كما أراد أن يكونوا قردة خاسئين، لكانوا كلهم قوامين شاءوا أو أبوا ، ولكن لو فعل ذلك ما استحقوا حمدا ولا أجرا.
ومما يدل من القرآن على ان الله أراد بخلقه الخير والصلاح ولم يرد بهم الكفر والضلال قوله سبحانه (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٢) فأخبر ان ما أراد غير ما أرادوا.
وقال (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ)(٣) فأخبر أن إرادته في خلقه الهداية والتوبة والبيان ثم قال (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(٤) فأخبر ان ما أراد الله منهم [غير ما أراد (٥)] غيره من الميل العظيم.
وقال (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)(٦) فأخبر انه انما يأبى ما اراده العباد من إطفاء نوره.
وقال (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)(٧) وقال (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ)(٨) فأخبر انه تعالى لا يريد الظلم بوجه من الوجوه ، كما انه لما قال (وَلا يَرْضى
__________________
(١) في مط : أن يقوموا بالقسط.
(٢). سورة الأنفال : ٦٧.
(٣) سورة النساء : ٢٦.
(٤) سورة النساء : ٢٧.
(٥) الزيادة من أ.
(٦). سورة التوبة : ٣٢.
(٧) سورة غافر : ٣١.
(٨) سورة آل عمران : ١٠٨.