قال (عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) علم أنه انما أخرج الملائكة عمن فضل بني آدم عليه ، لانه لا خلاف في أن بني آدم أفضل من الجن ، وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم عليه (١) فلا شبهة في أنهم الملائكة.
وتعلقوا بقوله تعالى (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)(٢) فلو لا أن حال الملائكة أفضل من حال النبي لما قال ذلك.
فيقال لهم فيما تعلقوا به أولا : لم زعمتم أن قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) معناه أن تصيرا وتنقلبا (٣) الى صفة الملائكة ، فإن هذه اللفظة ليست صريحة لما ذكرتم ، بل أحسن الأحوال أن تكون محتملة له.
وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة غير كما وأن النهي يختص الملائكة والخالدين دونكما. ويجري ذلك مجرى قول أحدنا لغيره «ما نهيت أنت عن كذا الا أن تكون فلانا» وانما يعني أن المنهي هو فلان دونك ، ولم يرد الا أن تنقلب فتصير فلانا. ولما كان غرض إبليس إلقاء (٤) الشبهة لهما فمن أوكد الشبه ليهاما (٥) انهما لم ينهيا وانما المنهي غيرهما.
ومن وكيد ما يفسد به هذه الشبهة أن يقال : ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلبا الى صفة الملائكة وخلقتهم (٦) كما رغبهما إبليس في ذلك ، ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما ، لان المنقلب (٧) إلى خلقه غيره لا يجب أن
__________________
(١) في الأمالي : عليهم.
(٢) سورة الانعام : ٥٠.
(٣) في أو «ن» : وتبدلا.
(٤) في الأمالي و «ن» : إيقاع.
(٥) في أ : فمن أوكد الشبهة إيهامهما.
(٦) في الأمالي : وخلقهم.
(٧) في الأمالي : لانه بالتقلب.