ولم يثبت بهذا الكلام في أخلاقهم فحشا أصلا وجزعا غير سيئ ، وانما نفى الفحش والجزع على كل حال ، ولو لا ذلك لكان هاجيا لهم ولم يكن مادحا.
وقال الفرزدق (١) :
ولم تأت غير أهلها بالذي أتت |
|
به جعفرا يوم الهضيبات عيرها (٢) |
أتتهم بتمر لم يكن هجرية (٣) |
|
ولا حنطة الشام المزيت خميرها (٤) |
فقوله «لم يكن هجرية» أي لم يحمل التمر الذي يكون كثير في هجر (٥) ، ولم يرد بباقي البيت أن هناك حنطة ليس في خميرها زيت ، بل أراد بها لم يحمل تمرا ولا حنطة ، ثم وصف الحنطة بأن الزيت يجعل في خميرها.
ونظائر هذا الباب أكثر من أن تحصى.
فعلى ما ذكرناه لا ينكر أن يريد تعالى : انا فضلناهم على جميع من خلقنا وهم كثير ، فجرى ذكر الكثرة على سبيل الوصف المعلق لا على وجه التخصيص وليس لأحد أن يخبر بقوله (٦) : «فعل كذا وكذا كثير من الناس» على سبيل التخصيص دون العموم.
__________________
(١) همام بن غالب بن صعصعة التميمي ، أبو فراس صاحب الجرير ، قيد رجليه فلم يفك القيد حتى حفظ القرآن الكريم ، وكان من الشعراء الفحول حتى قال هو «قد علم الناس أنى أفحل الشعراء» ، توفي سنة ١١٠ ، وقيل سنة ١١٢ ، وقيل سنة ١٤٤ (معاهد التنصيص : ١ / ٤٥ ٥١).
(٢) كذا في الديوان ، وفي الأصل : به جعفر القرم يوم الهضاب عيرها.
(٣) كذا في الأصل ، وفي الديوان : أتتهم بعير لم تكن هجرية.
(٤) ديوان الفرزدق : ١ / ٣٦٨.
(٥) هجر مدينة ، وهي قاعدة البحرين ، وقيل ناحية البحرين كلها هجر (معجم البلدان ٥ / ٣٩٣).
(٦) في الأصل : بقولهم.