وإذا لم يثبت أن أهل الكتاب كلفوا في حساب الشهور العدد دون الرؤية ، سقط ما بنوا الكلام عليه وتلاشى.
فأما قوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فلم يرد به أن الطريق إلى إثبات هذا الصيام وتعيينه هو العدد دون الرؤية ، وانما أراد تعالى أحد أمرين : اما أن يريد ب «معدودات» محصورات مضبوطات ، كما يقول القائل : أعطيته مالا معدودا. يعني أنه محصور مضبوط متعين ، وقد ينحصر الشيء وينضبط بالعدد وبغيره ، فهذا وجه. أو يريد بقوله «معدودات» أنها قلائل ، كما قال تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ)(١) يريد أنها قليلة.
وهذان التأويلان جميعا يسوغان في قوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ)(٢).
فأما قوله «ان المعدود من العبادات محفوظ بعدده محروس بمعرفة كميته ، لا يجوز عليه تغيير ما دام فرضه لازما» فهو صحيح ، لكنه لا يؤثر في موضع الخلاف في هذه المسألة ، لأن العدد إذا كان محفوظا بالعدد مضبوط الكمية ان هذا المعدود المضبوط انما عرف مقداره وضبط عدده ، لا من طريق الرؤية بل من الطريق الذي يدعيه أهل العدد ، فليس في كونه مضبوطا معروف العدد ما يدل على الطريق الذي به عرفنا عدده وحصرناه ، وليس بمنكر أن يكون الرؤية هي الطريق إلى معرفة حصره وعدده.
ثم من أين صحة قوله «وأنه محصور بعدد سالم من الزيادة والنقصان» فليس في قوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أنها لا تكون تارة ناقصة وتارة زائدة ، بحسب ما يدل عليه الرؤية، وانما تدل على أحد الأمرين اللذين ذكرنا هما ،
__________________
(١) سورة يوسف : ٢٠.
(٢) سورة البقرة : ٢٠٣.