أما معنى القلة ، أو معنى الضبط والحصر.
وليس في كونها مضبوطات محصورات ما يدل على أنها تكون تارة زائدة وتارة ناقصة ، بحسب الرؤية وطلوع الأهلة.
فأما انتصاب قوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) فقد قيل : انه على الظرف ، كأنه قيل: الصيام في أيام معدودات ، كما يقول القائل : أوجبت علي الصيام أيام حياتي وخروج زيد يوم الخميس.
والوجه الثاني : أن يعدى الصيام ، كأنه قال : كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات.
ووجه ثالث : أن يكون تفسيرا عن «كم» يكون مرددا (١) عن لفظة «كما» كأنه قال : كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب على الذين من قبلكم ، وفسر فقال : وهذا المكتوب على غيركم أياما معدودات.
ويجوز أيضا أن يكون تفسيرا وتمييزا للصوم ، فان لفظه «الصوم» مجملة يجوز أن تتناول الأيام والليالي والشهور ، فميز بقوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وبين أن هذا الصوم واقع في أيام.
وقال الفراء : هو مفعول ما لم يسم فاعله كقوله : أعطي زيد المال.
وخالفه الزجاج فقال : هذا لا يشبه ما مثل به ، لانه يجوز رفع الأيام قد يكتب عليكم الصيام ، كما يجوز رفع المال ، فيقول : أعطى زيدا المال. فالأيام لا يكون الا منصوبة على كل حال.
ومما يمكن أن يقال في هذا الباب مما لا نسبق اليه : أن تجعل «أياما» منصوبة بقوله «تتقون» كأنه قال : لعلكم تتقون أياما معدودات ، أي تحذرونها وتخافون شرها ، وهذه الأيام أيام المحاسبة والموافقة (٢) والمساءلة ودخول النار
__________________
(١) في الهامش : ويكون مردودا.
(٢) الظاهر المؤاخذة.