فأما الادمة فليست تؤثرها الشمس على الحقيقة في وجوهنا وأبداننا ، وانما الله تعالى هو المؤثر لها وفاعلها بتوسط حرارة الشمس ، كما أنه تعالى هو المحرق على الحقيقة بحرارة النار ، والهاشم لما يهشمه الحجر بثقله ، وحرارة الشمس مسودة للأجسام من جهة معقولة مفهومة ، كما أن النار تحرق الأجسام على وجه معقول.
فأي تأثير للكواكب فينا يجري هذا المجرى في تمييزه والعلم بصحته؟ فليشر إليه فإن ذلك مما لا قدرة عليه.
ومما يمكن أن يعتمد في إبطال أن تكون الكواكب فاعلة ومصرفة لنا ، أن ذلك يقتضي سقوط الأمر والنهي والذم عنا ، ونكون مقدورين (١) في كل إساءة تقع منا ، ونجنيها بأيدينا وغير مشكورين على شيء من الإحسان والإفضال ، وكل شيء نفسد به قول المجبرة فهو مفسد لهذا المذهب.
وأما الوجه الأخر : وهو أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع الكواكب أو غروبه واتصاله أو مفارقته.
وقد بينا أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة ، وانما يتجملون الان بالتظاهر به ، وأنه قد كان جائزا أن يجري الله تعالى العادة بذلك ، لكن لا طريق الى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت.
ومن أين لنا بأن الله تعالى قد أجرى العادة ، بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا ، وأن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا.
وأي سمع مقطوع به جاء بذلك؟ وأي نبي خبر به واستفيد من جهته؟ فان عولوا في ذلك على التجربة ، بأنا جربنا ذلك ومن كان قبلنا ، فوجدناه على هذه الصفة ، وإذا لم يكن موجبا وجب أن يكون معتادا.
__________________
(١) في البحار : ونكون معذورين.