وبين أن يخبر به ويكتبه قبل ذلك.
وانما فزعوا إلى الكتابة وما يجري مجراها ، حتى لا يخالف المنجم فيما يذكره ويحكم به من أخذ أو ترك. ولو كانت الأحكام صحيحة وفيها دلالة على الكائنات ، لوجب أن يعرف المنجم ما اختاره من أحد الأمرين على كل حال.
ولو نزلنا تحت حكمهم وكتبنا ما نريد أن نفعله ، لما وجدنا إصابتهم في ذلك إلا أقل من خطائهم ، ولم يزيدوا فيه على ما يفعله المخمن المرجم من غير نظر في طالع ولا غارب ، ولا رجوع إلى أصل ، والا فالبلوى بيننا وبينهم (١).
وكان بعض الرؤساء بل الوزراء ممن كان فاضلا في الأدب والكتابة ومشغوفا بالنجوم عاملا عليها ، قال لي يوما وقد جرى حديث يتعلق بأحكام النجوم ورأى من مخايلي التعجب ممن يتشاغل بذلك ويفني زمانه فيه : أريد أن أسألك عن شيء في نفسي.
فقلت : سل عما بدا لك.
قال : أريد أن تعرفني هل بلغ بك التكذيب بأحكام النجوم الى أن لا تختار يوما لسفر ولبس ثوب جديد وتوجه في حاجة.
فقلت : قد بلغت الى ذلك ـ والحمد لله ـ وزيادة عليه ، وما في داري تقويم ولا أنظر فيه ، وما رأيت مع ذلك الا خيرا.
ثم أقبلت عليه فقلت : ندع ما يدل على بطلان أحكام النجوم مما يحتاج الى ظن دقيق ورؤية طويلة ، وهاهنا شيء قريب لا يخفى على أحد ممن علت طبقته في الفهم أو انخفضت.
خبرني لو فرضنا جادة مسلوكة وطريقا يمشي فيه الناس ليلا ونهارا ، وفي محجته آبار متقاربة ، وبين بعضها وبعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل وتوقف
__________________
(١) خ ل : بينكم.