غيره ، ومرتبة في الفصاحة بالرجوع الى أهل الصناعة والسؤال لهم ، فيعلم من ذلك ما تدعوه الحاجة الى علمه ، وان لم يحتج الى أن يكون هو في نفسه من أهل هذه الصناعة.
ألا ترى أن العجمي والعامي اللذين لا يعرفان شيئا من الفصاحة ، يصح أن يعلما أن امرأ القيس أفصح ممن عداه من الشعراء ، وأن بعض الكلام الفصيح أفضل من بعض ، حتى لا يدخل عليه في ذلك شبهة بالخبر ممن يعرف ذلك. وكذلك من لا يعرف منا النساجة أو الصياغة ، يصح أن يعلم في ثوب أنه أفضل من غيره أو في علق مصوغ.
وإذا كانت جهة العلم ثابتة للأعجمي كما أنها ثابتة للعربي ، جاز أن يعلم بالرجوع الى أهل الصناعة ، أن الفرق بين أفصح كلام العرب وبين بعض قصار المفضل (١) في الفصاحة ، غير ظاهر ظهور الفرق بين فصاحة شعر الجاهلية والمحدثين.
فحينئذ يعلم أن جهة اعجازه هي الصرفة لا فرط فصاحته ، لانه قد علم تعذر المعارضة لائحة ، وإذا لم يكن (٢) معارضته لفرط الفصاحة فليس الا الصرف.
والقول في أحكام خطاب العربية يجري مجرى ما ذكرناه ، في أن للأعجمي أن يعلمه من أهله وان لم يكن هو في نفسه عالما بالعربية. ومن هذا الذي يشك في أن من كلف معرفة مراد الله تعالى بخطابه ، ومراد الرسول عليهالسلام بكلامه ، لا بد من أن يكون له طريق إلى معرفة ذلك؟
فان كان من أهل العربية والعلم بموضوعات أهله ، فهو يرجع الى علمه
__________________
(١) ظ : المفصل.
(٢) ظ : لم يمكن.