عليه ، لان تعذر المعارضة يمكن أن يكون لفرط فصاحة القرآن وخرق عادتنا بفصاحته ، الا أن للناظر يجوز (١) أن يكون هذا القرآن من فعل جن ألقاه الى من ظهر عليه يخرق به عادتنا ، لأنا لا نحيط علما بمبلغ من دين (٢) الجن في الفصاحة.
وإذا جوزنا ذلك لم يثبت كونه معجزا بهذا الضرب من الاستدلال ، دون أن يعلم أن الذي خرق به عادتنا حكم لا يجوز أن يصدق الكذب.
ولهذا قلنا ان سؤال الجن عنه ، الا على مذهب القائلين بالصرفة ، لان من يذهب يعلم أن جهة تعذر المقدمة على العرب انما هي للصرف عنها ، لفرط الفصاحة. والصرف عن العلوم التي يساق معها الكلام الفصيح لا يصح الا من الله تعالى دون كل قادر محدث.
والجواب عن هذه الشبهة : انه ان كان هذا القول قادحا في مذهب الصرفة ، فهو قادح في مذهب خصومهم القائلين بأن جهة إعجاز القرآن فرط فصاحته.
لانه يقال لهم : وإذا كان الطريق الى العلم بأن فصاحة القرآن خارقة للعادة ، وهو عدم معارضته ، فلو عورض القرآن بما لا يشبه فصاحته كمعارضة مسيلمة ، من أين كان يعلم العجم والعوام وكل من لا يعرف العربية ومراتب الفصاحة ، أن هذه المعارضة غير واقعة موقعها. وهو لا يعلم أنه علم معجز الا بعد أن يعلم أنه لم يعارض معارضة مؤثرة ، فأي شيء قالوه في ذلك قلنا لهم في مثله في نصرة القول بالصرفة.
والجواب عن الشبهة بعد المعارضة : ان من ليس من أهل العلم بالفصاحة ومراتبها من أعجمي أو عامي ، متمكن من العلم بفصل فصيح من الكلام على
__________________
(١) ظ : تجويز.
(٢) ظ : ديدن.