ولا يلزم على هذه الجملة جواز العمل بالفتيا وتقليد المفتي ، لأن هذا العمل مستند الى العلم ، وهو قيام الحجة على المستفتي ، بأن له أن يعمل بقول المفتي ، فيأمن لهذا الوجه من أن يكون فاعلا لقبيح. وليس كل هذا موجودا في تناول الاحكام من الكتب.
فان قيل : فعلى هذا يجب أن يجوزوا التعبد لنا بأن نرجع في الاحكام الى الكتب ، كما نرجع الى العلماء ونأمن من القبيح ، لأجل دليل التعبد ، كما قلتم في المفتي.
قلنا : لما تعبد العامي بالرجوع الى من له صفة مخصوصة يتمكن من معرفتها وتمييزها ويثق ، لأجل دليل التعبد ، بأن ما يفتيه به يجب علمه (١) عليه.
وإذا قيل له أرجع في الاحكام الى الكتب من غير تعيين ولا صفة مخصوصة ، لم يكن للحق جهة معينة متميزة مثمرة. ولكن لو قيل له ارجع الى الكتاب الفلاني وسمى الكتاب وعين أو وصف بوصف لا يوجد الا فيه يجري مجرى الفتيا في جواز العبادة به ، وحصول الأمن من الاقدام على القبيح ..
وأما الإلزام لنا أن لا تكون في تصنيف هذه الكتب فائدة إذا كان العمل بها غير جائز. فليس بصحيح ، لان مصنف هذه الكتب قد أفادنا بتصنيفها وحصرها وترصيفها وجمعها مذاهبه التي يذهب إليها في هذه الاحكام ، وأحالنا في معرفة صحتها وفسادها على النظر في الأدلة ووجوه صحة ما سطره في كتابه.
ولو لم يكن في هذه الكتب المصنفة الا أنها تذكرة لنا يجب أن ننظر فيها من أحكام الشرعيات ، لان من لم تجمع له هذه المسائل حتى ينظر في كل واحدة منها ودليل صحته تعب وطال زمانه في جمع ذلك ، فقد كفى بما تكلف له من جمعها مئونة الجمع وبقي عليه مئونة النظر في الصحة أو الفساد.
__________________
(١) ظ : عمله.