الحياة والرّوح والراحة والقوّة والقدرة والحسّ والحركة والفهم والفكر والسّمع والبصر والنطق والفصاحة والعلم والعقل والمعرفة من ثمراته ونتائجه ، (وله به (١)) نسب وإضافة من وجوه عدّة ، وهو يباشره ويعاشره مدّة حياته وطول عمره ، فى اليقظة والمنام والقعود والقيام ، ودوام الموافقة والمرافقة والصّحبة ، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شىء من كنه حقيقته ودرك معرفته ، فكيف يطمع فى الوصول إلى ساحة إدراك جلال من تنزّه من الكمّ والكيف ، وتقدّس ذاته عن الرين والرّيب ، وبعدت صفاته عن الشّين والعيب فى عزّة جلاله ، لا وقوف عليه ولا وصول إليه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ (٢) الْبَصِيرُ)(٣).
والرّيح معروفة ، وهى ـ فيما قيل ـ الهواء المتحرك. وعامة المواضع الّتى ذكر الله تعالى فيها الرّيح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب ، وكلّ موضع ذكر بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)(٤) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً)(٥).
وأمّا قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً)(٦) فالأظهر فيه الرّحمة ، وقرئ بلفظ الجمع وهو أصحّ (٧).
__________________
(١) فى أ : «ولدته» وفى ب : «ولداته» ولم يتبين الصواب ، وقد أثبت ما دون استظهارا
(٣) الآية ١١ سورة الشورى
(٤) الآية ١٩ سورة القمر
(٥) الآية ٥٧ سورة الأعراف
(٦) الآية ٤٨ سورة الروم. وقراءة (الريح) قراءة ابن كثير وحمزة والكسائى وخلف كما فى الاتحاف ، وقرأ غير هؤلاء (الرِّياحَ) بالجمع
(٧) هذا حكم مبنى على استقراء ناقص ، فقد جاء فى الآية ٢٢ سورة يونس : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) ، والقراءات المتواترة لا تفاضل بينها فى الصحة ، فكان خيرا له ان يعدل عن هذه النزعة التى تبع فيها الراغب.