وقوله : (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)(١) أى زكىّ الخلقة ، وذلك على طريق ما ذكرناه من الاجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتعلّم والممارسة بل بقوّة إلهيّة ، كما يكون لكلّ الأنبياء والرّسل. ويجوز أن يكون تسميته بالزّكىّ لما يكون عليه فى الاستقبال لا فى الحال. والمعنى سيتزكّى. وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٢) أى يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكّيهم الله ، أو ليزكّوا أنفسهم ، والمعنيان واحد. وليس قوله (لِلزَّكاةِ) مفعولا لقوله (فاعِلُونَ) ، بل اللّام فيه للقصد وللعلّة (٣).
وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما بالفعل وهو محمود ، وإليه قصد بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٤) ، والثانى بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل (٥) الإنسان بنفسه ، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٦) ، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا وشرعا ، ولهذا قيل لحكيم : ما الّذى لا يحسن / وإن كان حقّا؟ فقال : مدح الإنسان نفسه.
وفى أثر مرفوع : «ما تلف مال فى برّ ولا بحر إلّا بمنع الزّكاة».
__________________
(١) الآية ١٩ سورة مريم
(٢) الآية ٤ سورة المؤمنين
(٣) تبع فى هذا الراغب ، وقد عدل عن تفسير الزكاة بمعناها المتعارف ، وأن قوله مفعول لقوله : «فاعِلُونَ» أى مؤدون لها : لأن السورة مكية ، ولم تفرض الزكاة الا فى المدينة وقد أجيب عن ذلك بأن الزكاة فرضت فى مكة ، وانما جاء فى المدينة بيان أنصبتها وكانت فى مكة غير معينة المقادير ، ومن ثم مال البيضاوى الى تفسير الزكاة بقرينة الصلاة ، وانظر شهاب البيضاوى ٦ / ٣٢٠
(٤) الآية ٩ سورة الشمس
(٥) كذا. والأولى «يفعله»
(٦) الآية ٣٢ سورة النجم