وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(١) كقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(٢). [(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(٣)]. وذلك يقتضى أن يكون سجودا على الحقيقة ، وتسبيحا (٤) له على وجه لا نفقهه ، بدلالة قوله (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ) ، ودلالة قوله : (وَمَنْ فِيهِنَ)(٥) بعد ذكر السّماوات والأرض. ولا يصحّ أن يكون تقديره : يسبّح له من فى السّماوات ، ويسبّح (٦) له من فى الأرض (٧) ؛ لأنّ هذا ممّا نفقهه ، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره ، ثمّ يعطف عليه بقوله : (وَمَنْ فِيهِنَ).
والأشياء تسبّح وتسجد ، بعضها بالتّسخير وبعضها بالاختيار ، ولا خلاف أنّ السماوات والأرض والدّوابّ مسبّحات بالتسخير ، من حيث إنّ أحوالها تدلّ على حكمة الله تعالى ، وإنما الخلاف فى السماوات والأرض هل تسبّح باختيار ، والآية تقتضى ذلك.
وسبحان الله أى تنزيها لله من الصّاحبة والولد. وهى معرفة ونصبها على المصدر ، أى أبرئ الله من السّوء براءة ، أو معناه السرعة إليه والخفّة فى طاعته. وسبحان من كذا : تعجّب منه. وأنت أعلم بما فى سبحانك
__________________
(١) (الآية ٤٤ سورة الاسراء
(٢) (الآية ١٥ سورة الرعد
(٣) (ما بين القوسين زيادة من الراغب ، والآية ٤٩ سورة النحل
(٤) (فى الأصلين والراغب «تسبيحا على الحقيقة ، وسجودا له على وجه» والمناسب ما أثبت
(٥) (أى فى صدر آية الاسراء : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)
(٦) (فى الأصلين والراغب : «يسجد» والمناسب ما أثبت.
(٧) (فى الأصلين : «السموات» وما أثبت عن الراغب.