قال : الصّبر عن الله. فصرخ الشّبلىّ صرخة كادت نفسه تتلف
وقال الجريرىّ (١) : الصّبر ألّا تفرق بين حال النعمة وحال المحنة ، مع سكون الخاطر فيهما. والتصبّر : السّكون مع البلاء ، مع وجدان أثقال المحنة (٢)
وقال أبو على الدّقّاق : فاز الصّابرون بعز الدّارين ؛ لأنهم نالوا مع (٣) الله معيّته ؛ فإنّ الله مع الصّابرين.
وقيل فى قوله : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا)(٤) ، انتقال من الأدنى إلى الأعلى. فالصبر دون المصابرة ، والمصابرة دون المرابطة : مفاعلة من الرّبط وهو الشدّ. وسمّى المرابط مرابطا لأنّ المرابطين يربطون خيولهم ينتظرون الفزع (٥). ثمّ قيل لكلّ منتظر ، قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها : مرابط. وقيل فى تفسيره : اصبروا بنفوسكم ، وصابروا بقلوبكم على البلوى فى الله ، ورابطوا بأسراركم على الشوق إلى الله. وقيل : اصبروا فى الله ، وصابروا بالله ، ورابطوا مع الله لعلكم تفلحون فى دار البقاء. فالصبر مع نفسك ، والمصابرة بينك وبين عدوّك ، والمرابطة : الثبات وإعداد العدّة ؛ كما أن الرّباط ملازمة الثغر (٦) لئلّا يهجمه العدوّ. فكذلك المرابطة أيضا : لزوم ثغر القلب ؛ لئلّا يهجم عليه الشيطان فيملكه ، أو يخربه أو يشعّثه.
__________________
(١) فى الأصلين : «الحريرى» وما أثبت من الرسالة ١١١. وهو من أصحاب الجنيد مات سنة ٣١٠ ه كما فى الرسالة ٢٩.
(٢) فى الأصلين : «المحبة» وما أثبت من الرسالة.
(٣) فى الرسالة : «من».
(٤) الآية ٢٠٠ سورة آل عمران.
(٥) الفزع : الخوف. ويطلق على ما يدعو الى الخوف من هجوم عدو ونحوه. وهو المراد هنا.
(٦) هو من البلاد الموضع الذى يخاف منه هجوم العدو.