وللسّالك نظران : نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله يفتح عليه باب الخوف ، ونظر إلى سعة فضل ربّه وكرمه وبرّه يفتح عليه باب الرّجاء ، «وهما كجناحى الطائر إذا استويا استوى الطّائر وتمّ طيرانه (١)».
واختلفوا أىّ الرّجاءين أكمل ، رجاء المحسن ثواب إحسانه ، أو رجاء المذنب التائب عفو ربّه وعظيم غفرانه؟ فطائفة رجّحت رجاء المحسن لقوّة أسباب الرّجاء معه. وطائفة رجّحت رجاء المذنب ، لأنّ رجاءه مجرّد عن علّة رؤية العمل ، مقرون برؤية ذلّة الذّنب. قال يحيى بن معاذ : «إلهى أحلى العطايا فى قلبى رجاؤك ، وأعذب الكلام على لسانى ثناؤك ، وأحبّ السّاعات إلىّ ساعة يكون فيها لقاؤك». وقال أيضا : «يكاد رجائى لك مع الذّنوب يغلب على رجائى لك مع الأعمال ؛ لأنى أجدنى أعتمد فى الأعمال على الإخلاص ، وكيف أحرزها (٢) وأنا بالآفات معروف ، وأجدنى فى الذنب أعتمد على عفوك ، وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف».
فإن قلت : ما تقول فى قول من جعل الرّجاء من أضعف [منازل] المريدين؟ قلت : إنما أرادوا بالنسبة إلى ما فوقه من المنازل ، كمنزلة (٣) المحبّة والمعرفة والإخلاص والصّدق والتّوكّل والرّضا ، لا أن مرادهم ضعف هذه المنزلة فى نفسها وأنها منزلة ناقصة. فافهم ، فقد أوضحنا لك أنّها من أجلّ المنازل وأعلاها وأشرفها. والله أعلم.
__________________
(١) هذا من مقال لأبى على الروذبارى فى الرسالة ٨١. وتتمة المقال : «واذا نقص احدهما وقع فيه النقص ، واذا ذهبا صار الطائر فى حد الموت».
(٢) فى ب : «اجورها» وهو محرف عن «أحوزها» ، وما هنا موافق لما فى الرسالة ٨١. هذا وكان الظاهر : أحرزه أى الاخلاص. وكأنه يريد الأعمال التى فيها اخلاص.
(٣) فى الأصلين : «المنزلة» وهو محرف عما أثبت.