تقدم القدرة على الإلقاء وهو الذي قلنا وإن كانت تأتيه والشيء خارج عن يده ملقى عنها فقد أتت في حال الغنى عنها.
وفي ذلك أيضا أنه قد قدر على أن يلقي ما ليس في يده وهذا محال وليس بين كون الشيء في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة.
وقد قال أهل العلم أيضا :
لو كانت القدرة والفعل يوجدان معا ولا يصح غير هذا لم تكن القدرة المؤثرة فيه بأولى من أن يكون هو المؤثر فيها.
وقالوا ولو كان لا يصح وجود القدرة حتى يوجد الفعل كما لا يصح وجود الفعل حتى توجد القدرة لكان لا يصح أن يوجدا (١).
حدثني شيخي رحمهالله (٢) :
أن متكلمين أحدهما عدلي والآخر جبري كانا كثيرا ما يتكلمان في هذه المسألة وأن الجبري أتى منزل العدلي فدق عليه الباب فقال العدلي من ذا قال أنا فلان قال له العدلي ادخل قال له الجبري افتح لي حتى أدخل قال العدلي ادخل حتى أفتح فأنكر هذا عليه وقال له لا يصح دخولي حتى يتقدم الفتح فوافقه على قوله في القدرة والفعل وأعلمه بذلك وجوب تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه وصار إلى الحق
فصل من القول في أن القدرة غير موجبة للفعل
الدليل على أنها غير موجبة ما قدمناه من أنها قدرة على الضدين فلو كانت موجبة لأوجبتهما فأدى ذلك إلى المحال وكون المكلف حاضرا ومسافرا في حال ومتحركا ساكنا في حال.
_________________
(١) وذلك لأن كل واحد من الفعل والقدرة يتوقف وجوده على وجود الآخر المتوقف على نفسه وهو من الدور المحال ، وما ترتب على المحال محال.
(٢) المراد به هو الشيخ المفيد.