تضرعهم ويسألونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه فيخيب رجاءهم ويتمنونه من فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي (١) فيه.
هو أن الله سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسألونه صلاحا إلا أعطاهم ولا يلتمسون منه ما يعلم أنه لهم أنفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شيء يصلحهم وأنه لا يقضي عليهم بشيء يسرهم أو يسوؤهم إلا وهو خير لهم وأصلح مما صرفه عنهم.
والذي يدل على ذلك هو ما ثبت من أن الله تعالى عالم بقبح القبيح وغني عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج إلى منعه وأنه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم. فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه.
ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز أن يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا على أن يعطيه إياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه.
وكذلك إذا كان له عدو يدعوه إلى موالاته ويحب رجوعه إلى طاعته فلن يجوز أن يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم أنه أنجع فيما يريده منه وأدعى له إلى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع إلى ولايته فإن عرض له أمران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة يعلم أن أحدهما أدعى لعدوه إلى المراجعة والإنابة والآخر دون ذلك ففعل الدون وترك أن يفعل
_________________
(١) هو أبو القاسم البلخيّ تقدمت ترجمته.