قلنا إنما التسوية بينهما أن يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه ويلذهما وليس التسوية بينهما أن يفعل لهما ما يكون أدعى إلى طاعته وأزجر عن معصيته.
ألا ترى أن رجلا لو كان له عبدان قد أطاعه أحدهما وعصاه الآخر فقصد إلى الذي أطاعه فمدحه وأعطاه لتزداد بذلك رغبته في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد إلى الآخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير إلى طاعته وينزجر غيره أيضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو أصلح له ولم يجز أن يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية وأقدرهما على ما كلفهما وأزاح عللهما ولا يقال مع ذلك إنه قد ساوى بينهما إلا أن يراد بالمساواة أنه قد عدل فيهما ولم يظلم أحدهما فذلك صحيح.
فإن قال إذا أوجبتم أن يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي أداء ما كلفهم فقد أوجبتم أن لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية.
قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وإن في سلطانه وقدرته أمثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم ولكنه إنما يأتيهم من ذلك في كل وقت بقدر حاجتهم وما يعلم أنه الأصلح لهم.
فإن قال فإذا كان الذي فعل بهم مما تقولون إنه الأصلح لهم أمثال فقد وجب إذا جمعت لهم تلك الأمثال أن تكون أصلح لهم من الواحد.
قلنا لهم ليس يجب ذلك.
ومما يدل على أن القول ما قلنا أنه يكون صلاح المريض مقدارا من الدواء ولذلك المقدار من الدواء أمثال لو جمعت كلها له لصار تضررا عليه ولقتلته.
وكذلك الجائع قد يكون مقدار من الطعام فيه صلاحه ولذلك المقدار