وقال أبو عبيدة (١) والفراء (٢) وغيرهما أنه أراد بالمسح الضرب.
وبعد فإن من قال أنه أراد بالمسح الغسل لا يخالف في أن تسميه الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا أن نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة.
فإن قال ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم بإعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب وإن كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الأرجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرءوس قال إمرؤ القيس :
كأن ثبيرا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمل (٣) |
فجر مزملا لمجاورته لبجاد وإن كان من صفات الكبير لا من صفات البجاد فتكون الأرجل على هذا مغسولة وإن كانت مجرورة
_________________
(١) هو معمر بن المثنى التيمي من تيم قريش مولى لهم من علماء اللغة والأدب والأخبار ، وكان شعوبيا ومع هذا يرى رأي الخوارج ، له مؤلّفات عديدة ولد سنة ١ ١ ٢ ه ، وتوفّي سنة ٢١ ١ ه.
(٢) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من أئمة العربية له مؤلّفات كثيرة فيها ، مات بطريق مكّة سنة ٢٠٧ ه.
(٣) هو من معلقة امرئ القيس المشهورة التي أولها
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللوى بين الدخول فحومل |
وفي ديوان امرئ القيس بإخراج السندوبي روى البيت هكذا
كأن أبانا في أفانين ودقه |
|
كبير أناس في بجاد مزمل |
وثبير : جبل. أفانين : ضروب. البجاد : كساء مخطط. مزمل : ملفف.
وامرئ القيس هو ابن الملك حجر بن الحارث الكندي ، ويقال له الملك الضليل توفّي سنة ٨٠ قبل الهجرة وسنة ٥٦٥ م.
وهو من فحول الشعراء الجاهليين حتّى قيل أنّه بدئ الشعر بملك يعني امرأ القيس ، وحتم بملك يعني أبا فراس الحمداني.