وقد كانوا قوما فصحاء حكماء عقلاء خصماء لا يصبرون على التقريع ولا يتغاضون عن التعجيز وعاداتهم معروفة في التسرع إلى الافتخار وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والأشعار وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة على أنها كانت متعذرة عليهم وفي التجائهم إلى الحروب الشاقة دونها بيان أنها الأيسر عندهم.
وأي عاقل يطلب أمرا فيه هلاك حاله والتغرير بنفسه وهو يقدر على كلام يقوله يغنيه بذلك وينال به أمله ومراده فلا يفعله.
هذا ما لا يتصور في العقل ولا يثبت في الوهم وفي عجزهم الذي ذكرناه حجة في بيان معجز القرآن وفي صحة نبوة نبينا ص.
ومن ذلك ما يتضمنه من أخبار الدهور الماضية وأحوال القرون الخالية وأبناء الأمم الغابرة ووصف الديار الداثرة وقصص الأنبياء المتقدمين وشرح أحكام أهل الكتابين مما لا يقدر عليه إلا من اختص بهم وانقطع إلى الاطلاع بكتبهم وسافر في لقاء علمائهم وصحب رؤساءهم.
ولما كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم معلوم المولد والدار والمنشأ والقرار لا تخفى أحواله ولا تستتر أفعاله لم يلف قبل بعثته مدارسا لكتاب ولا رئي مخالطا لأهل الكتاب ولم يزل معروفا بالانفراد عنهم غير مختص بأحد منهم ولا سافر لاتباع عالم سرا ولا جهرا ولا احتال في نيل ذلك أولا ولا آخرا علم أنه لم يأخذ ذلك إلا عن رب العالمين دون الخلائق أجمعين وثبت صدقه وحجته وإعجاز الوارد على يده وكان قول الله عزوجل:
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) سورة القصص : ٤٤
وقوله عزوجل:
_________________
(١) في النسخة الشرع
(٢) في النسخة (فيه بما)
(٣) في النسخة (المولود)