ولا يتصور في العقل أنها كانت خالية منها وهذا يوضح أنها محدثة مثلها لشهادة العقل بأن ما لم يوجد عاريا من المحدث فإنه يجب أن يكون مثله محدثا.
وهذه الحوادث هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون والألوان والروائح والطعوم ونحو ذلك من صفات الأجسام التي تدل على أنها أشياء غير الجسم ما نراه من تعاقبها عليه وهو مع كل واحد منها وهذا يقين أيضا على حدوثها لأن الضدين المتعاقبين لا يجوز أن يكونا مجتمعين في الجسم ولا يتصور اجتماعهما في العقل وإنما وجد أحدهما وعدم الآخر فالذي طرأ ووجد هو المحدث لأنه كائن بعد أن لم يكن والذي انعدم أيضا محدث لأنه لو كان غير محدث لم يجز أن ينعدم ولأنه مثله أيضا قد تجدد وحدث.
والذي يشهد بأن الأجسام لم تخل من هذه الحوادث بداية (١) العقول وأوائل العلوم إذ كان لا يتصور فيها وجود الجسم مع هذه الأمور.
ولو جاز أن يخلو الجسم منها فيما مضى لجاز أن يخلو منها الآن وفيما يستقبل من الزمان.
والذي يدل على أن حكم الجسم كحكمها في الحدوث أن المحدث هو الذي لوجوده أول والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده أول فلو كان الجسم قديما لكان قبل الحوادث كلها خاليا منها.
وفيما قدمناه من استحالة خلوه منها دلالة على أنه محدث مثلها والحمد لله.
_________________
(١) المراد به البداهة العقليّة.