قال والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر لا يقصر عنك بنوم ولا يعتريه ملال وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة وإن عدلت عنه لم يدع طاعتك وإن هب ريح أعدائك لم ينقلب عليك ومتى كنت منه متعلقا بسبب ومعتصما بحبل لم تضطرك معه وحشة الانفراد إلى الجليس السوء.
ولو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إليك إلا منعه لك من الجلوس على بابك والنظر إلى المارة بك مع ما في ذلك من التعرض للحقوق في فضول النظر وملابسة صغار الناس وحضور ألفاظهم الساقطة وأخلاقهم الردية لكان في ذلك السلامة يوم القيامة ونعم الجليس.
وقال في هذا المعنى :
والكتاب نعم الذخر والقعدة ونعم الجليس والعقدة ونعم السيرة والنزهة ونعم الشغل والحرفة ونعم الأنيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين والدخيل ونعم الوزير والزميل والكتاب وعاء مليء علما وظرف حشي ظرفا وإناء شحن مزاحا وجدا إن شئت كان أبين من سحبان وائل (١) وإن شئت كان أعي من باقل (٢) وإن شئت ضحكت من نوادره وإن شئت عجبت من غرائب فوائده وإن شئت ألهتك نوادره وإن شئت أشحتك مواعظه.
وبعد فمتى رأيت بستانا يخمل في ردن وروضة تنقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحياء.
ومن لك بمؤنس لا ينطق إلا بما تهوى آمن من في الأرض وأكتم للسر من صاحب السر.
_________________
(١) هو من ألسنة الجاهليين وخطباء الإسلام ويضرب فيه المثل في الفصاحة والبيان توفّي سنة (٥٤ ه) = (٦٧٣ م) وفي النسخة (من تيجان وائل).
(٢) هو بأقل بن عمرو بن ثعلبة الإيادي يضرب فيه المثل في العي والفهاهة.