وقامت الباء في قوله تعالى (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) مقام مع لأنهما جميعا من حروف الخفض.
والوجه الثاني أن يكون قوله أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا خرج منه على وجه الاستبعاد لذلك والنفي والإنكار كما يقول أحدنا للحاكم أتراك تظلمني في فعلك أو تجور علي في حكمك وهو لا يريد سؤاله بل يقصد نفي الظلم والجور عنه واستبعاد وقوعهما منه قال جرير :
أعبدا حل في شعبي غريبا |
|
ألؤما لا أبا لك واغترابا |
يريد أن لا يجتمع هذان.
وأما قوله (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) فإن (١) الفتنة على ضروب في الكلام وهي في هذا المكان بمعنى المحنة والاختبار قال الله تعالى :
(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (٢) يعني اختبرناك اختبارا وكأنه قال إن هي إلا فتنتك التي امتحنت بها خلقك واختبرتهم (٣) في التكليف لتثبت من اهتدى بها وتعاقب من ضل عنها (٤).
وأما قوله (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) فإنه ذكر في هذه الآية وفي نظائرها أنه يضل قوما ويهدي آخرين مجملا للقول في ذلك من غير تفسير.
وكشف في آيات أخر عمن يشاء أن يضلهم ومن يريد أن يهديهم وميزهم وصف بعضهم من بعض وبينهم فقال في الضلال :
(وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ)
وقال (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
فأخبر أنه لا يشاء أن يضل إلا من سبقت منه الجناية واقترف الإساءة.
_________________
(١) في النسخة (تكن).
(٢) طه : ٤٠
(٣) في النسخة : وأخبرتهم.
(٤) في النسخة : عندها.