والحجة الأخرى أن في الجنة شربا وإذا كان فيها شرب كان فيها أكل وليست تذهب النصارى إلى هذا.
فأما روايتهم عنه عليهم السلام أنه قال :
هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه فإنه يحتمل وجها من التأويل ويكون معناه التهديد وإن كان بلفظ الأمر كما يقول أحدنا لمن يتهدده اعمل ما شئت وهو لا يريد أمره.
ويقوي هذا التأويل ما تضمنه الخبر عن قوله :
هذا لحمي وهذا دمي ونحن نعلم أن لحمه ودمه محرمان فيصح بما ذكرناه من أن المراد بالخبر التهديد. (١)
واعلم أنا لم نتأول هذا الخبر توقفا عن رده وأنا لنعلم أنهم متهمون فيما يروون وإنما تأولناه تصرفا في النظر وإقامة الحجة على الخصم فأما ما في القرآن من التهديد الذي هو بلفظ الأمر فواضح أحدها قول الله سبحانه لإبليس :
(أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) الإسراء : ٦٤
وقوله تعالى :
(اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فصلت : ٤٠
مسألة :
إن سأل سائل عن قول الله تعالى في موضع من ذكر موسى عليهم السلام :
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) النمل : ١٠.
وعن قوله في موضع آخر :
_________________
(١) وبعبارة أوضح أن المراد به هو الزجر عنهما ، على معنى إن ساغ لكم أكل لحمي فكلوا لحم الخنزير ، وإن ساغ لكم شرب دمي فاشربوا الخمر.