وأما تقدم إرادة الإهلاك على الأمر فيحتمل أن يكون ذلك بعد أمر متقدم لم يذكر استحق المأمورون بمخالفتهم له العذاب فلما أراد الله تعالى إهلاكهم أعذر إليهم بأمر ثان على وجه التكرير والتأكيد في إقامة الحجة على العاصين قبل وقوع الإهلاك المستحق المذكور ويوافق هذا التأويل قوله تعالى :
(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء : ١٥.
الوجه الثاني أن يكون الإرادة في الآية مجازا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبتهم وأنهم متى أمروا ففسقوا فأهلكوا ويجري ذلك مجرى قولهم إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جانب وتوجه نحوه الخسران من كل مكان وإذا أراد العليل أن يموت خلط في أكله.
ومعلوم أن ليس منهما من يريد ذلك وإنما حسن الكلام لما علم من عاقبة أمرهما.
وهذا من أحد أقسام الفصاحة في كلام العرب وهو جواب صحيح في الآية.
الوجه الثالث أن يحمل الكلام في الآية على التقديم والتأخير ويكون تلخيصه إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقوا العقاب أردنا إهلاكهم.
والتقديم والتأخير أيضا مستعمل في كلام العرب وهو وجه حسن ويشهد به من القرآن قول الله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). المائدة : ٦
ونحن نعلم أن الطهارة للصلاة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة فأما من قرأ