إما أن يأمره بذلك والشيء في حال عدمه أو في حال وجوده.
ومحال أن يأمره وهو في حال عدمه لأن المعدوم في الحقيقة ليس بشيء فيتوجه إليه الأمر.
والذين يثبتون أنه شيء في حال عدمه من المتكلمين (١) لا يخالفون في أنه لا يصح أن يؤمر.
ومحال أيضا أن يأمره وهو في حال وجوده لأن الموجود هو الكائن. ولا يقال للكائن كن كما لا يقال للساكن اسكن.
وأيضا فلو كان يأمره في الحقيقة بالكون لكان الشيء المأمور هو الذي يفعل نفسه ويكونها.
ولا يصح من شيء أن يفعل إلا أن يكون حيا قادرا ولا يصح منه أن يفعل الحكم المتقن إلا بعد كونه عالما.
وهذا كله (٢) على أن المعدوم لا يؤمر ولا يفعل نفسه.
ولم يبق إلا أن يكون ذلك مجازا في القول.
والمراد به الإخبار عن تيسر الفعل على الله سبحانه أنه إذا أراده وأنه غير متعذر منه ومتى أراد كونه كان بغير حائل ولا مانع حتى كان الذي يريده لو كان حيا قادرا يصح أن يكون نفسه ثم أمره الله تعالى بذلك ليبادر إليه ولم يتأخر عنه.
_________________
(١) اختلف المتكلمون في المعدوم هل هو شيء أم لا ، فذهب بعضهم إلى أن المعدوم في حال عدمه شيء ، واستدلوا بآيات منها : قوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) إذ سماه شيئا في حال عدمه ، وقوله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) عبر عنها بكلمة شيء وهي معدومة وقبل أن تكون. وأنكر بعضهم أن يكون المعدوم شيئا واستدلوا بآيات منها :
قوله تعالى :(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) وقوله تعالى :(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) وقوله أيضا : (لم يكن شيئا مذكورا) فقد نفى عن الذي لم يكن وكان معدوما أن يكون شيئا وحملوا تلك الآيات التي استدل بها مثبتوا الشيئية للمعدوم كما فعل المؤلّف على المجاز.
(٢) لعله قد سقطت كلمة (يدل) ووضعناها ليستقيم الكلام.