وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة وهذا أيضا يستحيل لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر إلى محل والله تعالى غير محل للأعراض ولا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في غيره. ولا يجوز أيضا أن تكون لا فيه ولا في غيره (١) لأنه عرض والعرض يفتقر إلى محل يحملها ويصح بوجوده وجودها.
ولو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها ولا في غيره لجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها ولا في غيره.
فإن قيل إن الحركة هيئة للجسم وليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه.
قلنا ولم لا يجوز ذلك؟
فإن قيل لأن تغيير هيئة الجسم مدرك بالحاسة فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه.
قلنا وكذلك المريد للشيء بعد أن لم يكن مريدا له قد يتغير عليه حس نفسه فوجب أن تكون إرادته تحله.
فإن قيل أي شيء من الحواس تحس الإرادة؟
قلنا وبأي شيء يحس الصداع.
فإن قيل إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة.
قلنا فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها.
ولنا أن نقول وكذلك المريد في الحقيقة يعلم بتغير حسه ويدرك ذلك من نفسه ضرورة.
_________________
(١) وقد ذهب هشام بن الحكم إلى أن صفات اللّه لبست هي هو ولا غيره تبعا للجهم بن صفوان ، واستدلّ لهذا الرأي بأن حدوث الصفة في ذاته يلزم منه التغير في ذاته وإن يكون محلا للحوادث ، وإن حدثت الصفة في محل فيكون الموصوف بالعلم مثلا هو ذلك المحل لا الباري تعالى وقد شرحنا ذلك في كتابنا «هشام بن الحكم» فراجع