وهذا من صفات المخلوقين التي تستحيل أن يوصف في الحقيقة بها رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر إلى أدنى روية وفكر إذ كان هذا على ما بيناه فإنما معنى قولنا إن الله تعالى مريد لأفعاله أنها وقفت وهو عالم بها غير شاغلة ولا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله تعالى يفعل لا من سهو ولا غفلة ولا بإيجاب من غيره أن تقول هو مريد لفعله ويكون هذا الوصف استعارة لأن حقيقته كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث.
دليل
والذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالإرادة أنه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الأمر من حالين :
إما أن يكون مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا للحسن والقبح كما أنه لو كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن والقبح وإرادة القبح لا تجوز على الله سبحانه.
والكلام في هذا يأتي محررا على المجبرة في خلق الأفعال.
فإذا ثبت أن الله عزوجل لا يجوز أن يريد المقبحات علم أنه غير مريد لنفسه.
وإن كان مريدا بإرادة لم تخل الإرادة من حالين :
إما أن تكون قديمة أو حادثة.
ويستحيل أن تكون قديمة بما بيناه من أنه لا قديم سواه عزوجل.
والكلام على المجبرة في هذا داخل في باب نفي الصفات التي ادعت المجبرة أنها قديمة مع الله تعالى.
وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل إما لنفسه وإما بإرادة قديمة معه لوجب أن يكون مراده فيما لم يزل لأنه لا مانع له مما أراده ولا حائل بينه وبينه ولكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته ولا يتأخر بعضه عن بعض لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح أنه عزوجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لإرادة قديمة معه.