عليه شئونهم ويستقيم به أودهم وهم في عاجلهم وآجلهم فأدبهم بإذنه في أمره ونهيه فأمرهم تخييرا وكلفهم يسيرا وأماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته بين الموجف من أنامه إلى مرضاته ومحبته وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته فذلك قول الله عزوجل (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
ثم وضع أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم يده على منكب همام بن عبادة فقال ألا من سأل من شيعة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا فهم العارفون بالله العاملون بأمر الله أهل الفضائل والفواضل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع وبخعوا لله بطاعته وخضعوا له بعبادته فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم بدينهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذين نزلت منهم في الرخاء رضي عن الله بالقضاء فلو لا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى لقاء الله والثواب خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون وهم والنار كمن دخلها فهم فيها يعذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعرفتهم في الإسلام عظيمة صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أناس أكياس أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.
أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة يفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم ويمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم هذا ليلهم فأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء برأهم خوف بارئهم فهم أمثال القداح يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض أو خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم