أخرى ، فينتزع العقل الوجوب والإلزام أو عدمه ، ومن أنّ المجعول من قبل الشارع إنّما هو الطلب فقط.
بناء على مذهب المحقق النائيني «قده» هذا ، تكون هذه الفرضيّة الأولى في تفسير الوجوب الكفائي ، معقولة ومستوفية لكل خصائصه المتقدمة ، وذلك ، إذا افترضنا أنّ غاية ما يترقب صدوره من المولى هو صدور الطلب ، وقد صدر ، غايته أنّه باعتبار مصلحة التسهيل والإرفاق ، رخّص لكل من المكلّفين في مخالفة الطلب ، ترخيصا مشروطا بعدم ترك الآخر ، وهذا وسط بين الاستحباب والوجوب العيني.
إذن فالوجوب الكفائي وسط ، فيطلب من كلا المكلّفين ، ويرخّص لكل منهما على تقدير عدم ترك الآخر.
وحينئذ ، إذا أتى المكلّف بهذا الفعل ، فقد امتثل ، فإذا فرض أنّ أحدهما فقط قام بالواجب ، فقد امتثل أيضا ، إذ إنّ الآخر مرخّص له بالترك ، وإذا لم يأت أحد منهما بالواجب أصلا ، فيعاقبان ، لأنّ كلا منهما كان الواجب مطلوبا منه ، غايته أنّه مشروط بعدم إتيان الآخر به ، والمفروض أنّ الآخر لم يأت به ، والأول لم يأت به ، إذن فقد عصيا معا.
أو فقل : إنّ هذه الصيغة وافية بجميع خصائص الوجوب الكفائي المتقدمة ، إذ لو جاء أحد المكلّفين بالواجب ، أمكن للآخر تركه ، لأنّه مرخّص له بالترك في حال مجيء الآخر به ، وإلّا فلو عصيا معا ، ولم يأتيا معا بالفعل ، فيعاقبان معا ، لأنّ الطلب فعليّ في حقهما ، وإن قاما كلاهما بالفعل ، كانا ممتثلين للطلب ، وإن كان أحدهما يصح له ترك الفعل عند قيام الآخر به.
بل بناء على هذا ، يمكن الاستغناء في الكفائي وفي الواجب التخييري عن افتراض مصلحة ثالثة للترخيص هي مصلحة التسهيل والإرفاق ، على أنها ملاك برأسه يزاحم كلا الطلبين.